محكمة النقض ترفض الإجبار على تحرير "الوعد بالبيع" في مكاتب الموثقين

حسمت محكمة النقض بالمغرب، بشكل شبه نهائي، في مسألة إلزامية تحرير عقد وعد للبيع عند الموثقين المعتمَدين، بوصفها وثيقة اشتُهر التعامل بها أثناء عمليات اقتناء العقارات قصد تملُّكها.

وفق تقديرات محكمة النقض ضمن حكم صدَر عنها، مؤخرا، في “ملف مدني” يحمل رقم 653/1/7/2022″، أصبح بالإمكان الشروع في إبرام عقد الوعد بالبيع دون المرور عبر كاتب عدلي أو محام معتمد لذلك. كما أكدت أعلى سلطة قضائية بالمملكة أن “الاتفاق على بيع العقارات ساري المفعول بموجب الخَتْم الخاص”، وأن “العقد الرسمي (الموثَّق) إلزامي فقط عند إبرام عقود البيع النهائي”.

خبير في القانون العقاري، فضّل عدم ذكر اسمه، أوضح أن قرار محكمة النقض جاء تبعاً لـ”واقعة معيَّنة كان طرَفاها عقدَا وعدا بالبيع، لكن ربما عمَدا إلى تحرير عقد بشكل بَيْني (عقد عُرفي)، علما أن الأخير يظل غير باطل ومنتِج لأثره”.

وأوضح الخبير ذاته، في حديث مع هسبريس، أن “الوعد بالبيع ليس ضروريا أن يكون رسميا، بحكم أنه لا ينقُل المِلكية”، لافتا إلى أن “محكمة النقض لم تقم سوى بتفسير نطاق تطبيق المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، وكيفية تحرير هذا النوع من العقود”.

وتنص المادة الرابعة من “مدونة الحقوق العينية” على أنه “يجب أن تُحرَّر -تحت طائلة البطلان- جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك”.

نقاش قانوني

هذا القرار المستجد لم يمرّ جانبا، بل أثار نقاشاً في الأوساط القانونية؛ لاسيما أن كثيرين رأوا فيه “كسراً لأسطورة وعد البيع عبر عقد رسمي”، كما أنه يساهم بحسبهم، من جهة أخرى، في “إفشال جهود سنوات من المجهودات ضد نهب الممتلكات العقارية”.

وتعود تفاصيل المسألة إلى فصل محكمة النقض في “نزاع على بيع الأراضي الزراعية، في حالة دخول طرفيْن في اتفاقية بيع لم تؤد إلى عقد نهائي”، إذ قام المشتري، الذي دفع وديعة، بطلب القاضي إتمام العملية وتسجيلها في السجل العقاري؛ وهي طريقة إجبار البائع على تنفيذ نصيبه من التسوية، على أن يدفع للمشتري باقي الثمن للمحكمة.

ومع ذلك، تم فصل مقدِّم الطلب ابتدائيا وعند الاستئناف، بسبب أنه “تم التوصل إلى حل وسط بموجب عقد عرفي” (عقد بين الطرفين دون تدخل شخص مؤهل للقيام بذلك)؛ وتبعاً لذلك “فإنه لا يحترم النماذج المنصوص عليها في قانون الحقوق العينية (CDR)”.

هشام صابري، رئيس المجلس الوطني لهيئة الموثقين بالمغرب، أكد بداية أنه “يجب التفريق بين عقد الوعد بالبيع الذي هو حق شخصي ولم يكن يوماً مطالباً به أيٌّ طرفِ إلزامياً، وبين عقد البيع في حد ذاته الذي يظل من الحقوق العينية، وتنص المادة 4 من قانون الحقوق العينية على أنه يجب أن يكون رسميا”.

وأورد صابري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “القرار الصادر عن محكمة النقض في الملف سالف الذكر يظل عادياً جدا بحكم أنه يدخل في إطار المعمول به منذ سنوات”، مؤكدا “عدم تضرر الموثقين منه”.

وزاد المتحدث ذاته موضحا: “بالعكس، لطالما نصحنا المواطنين باللجوء إلى موثقين معتمَدِينَ، في إطار توجيه وإرشاد من أجل حماية مصالحهم التعاقدية، ولأنهم بإمكانهم توفير ضمانات قانونية”، قبل أن يردف: “الأطراف كلها سواء البائع أو المشتري أو الذي يعِد بالبيع مطالبون باللجوء إلى شخص يوثق عقودهم مهما كانت نوعيتها من أجل حماية تعاقداتهم”.

وبخصوص قرار محكمة النقض، قال صابري “إنه يخص موضوع نازلة تدور في الأصل حول وعد بالبيع حول قطعة أرضية، قبل أن يتراجع الراغب في بيعها عن ذلك”، مؤكدا أن “محكمة النقض حكمت بإتمام بالبيع، واعتبرت دفعه بعدم رسمية الوعد تهرباً من التزامه”.

وأفاد رئيس هيئة الموثقين بالمغرب بأن “الإلزام بالرسمية في نوع من العقود يظل محكوماً بمقتضيات المادة 4 من قانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه ظهير شريف 1.11.178 منشور بالجريدة الرسمية عام 2011”.

“البصمة الإلكترونية” ضد السطو العقاري

“درءاً لممارسات الاحتيال والسطو والنصب على الأملاك العقارية التي أعاد قرار محكمة النقض في القضية المذكور النقاشَ بشأنها، ذهب الموثقون إلى إقرار اعتماد البصمة الإلكترونية عند إبرام العقود الرسمية المتعلقة بجميع التعاملات العقارية”، يكشف صابري لجريدة هسبريس، ضمن التصريح ذاته.

رئيس مجلس هيئة الموثقين بالمغرب وضَع اعتماد البصمة الإلكترونية لكل شخص من أطراف التعاقد في سياق التنزيل الفعلي والاستجابة العملية لمضامين الرسالة الملكية المؤرخة في 30 دجنبر 2016، والداعية إلى إيجاد سبل لمحاصرة ظاهرة السطو على عقارات الغير، وخلص إلى أن “البصمة الرقمية تم اعتمادها بقرار من لجنة مختصة في الموضوع تشكلت إثر الرسالة الملكية، حيث تم الوقوف على أن تزوير الهوية من أهم وسائل تسهيل الظاهرة”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم