قضية استثمار مالي "خاسرة" تخرج أجهزة المخابرات الفرنسية من الظل إلى العلن

“فشل ذريع” تجرّعته مصالح “المديرية العامة للأمن الخارجي” الفرنسية (المعروفة اختصارا بـ “DGSE”) في قضية عنوانها الكبير “الفشل في قضية استثمار في القطاع المالي”، عبر ذراع أحد أشهر المستثمرين الفرنسيين.

منابر إعلامية فرنسية عديدة تداولت الموضوع طيلة الأسابيع القليلة الماضية، محاولة تتبع خيوط ما وصفته بـ”الاستثمار المحفوف بالمخاطر”، ضمن تفاصيل قضية ستسقط مسؤولين فرنسيين ومستثمرا شهيرا في شباك العدالة الفرنسية.

يومية “لوموند” كانت من أوائل وسائل الإعلام الفرنسية التي خصصت صفحاتها ضمن تحقيق مطول أنجزه الصحافيان “جيرار دافيت وفابريس لوم” (Gérard Davet et Fabrice Lhomme) للكشف عن تفاصيل وخفايا الموضوع.

“إنها قضية ملعونة تُورّط مصالح DGSE: بعد أن خسرت ملايين اليورو بسبب الافتقار إلى الذوق في قطاع الاستثمار المالي”، تعلّق “إذاعة فرنسا” (Radio France) في برنامج لها حول الموضوع ذاته قبل أن تضيف: “يقال إن أجهزة المخابرات الفرنسية كانت مذنبة عبر محاولة ابتزاز رجل أعمال يدعى Alain Duménil”.
وتعود تفاصيل القضية-حسب ما أوردته اليومية الفرنسية-إلى “إخفاء أجهزة المخابرات الفرنسية، على مدى العقود الماضية، أموالا استثمرتها بتهوُّر في الشركات الهشة”، قبل أن تتساءل: “من أجل استرداد هذه الأموال، هل لجأت تلك الأجهزة إلى تهديد مقاول يعتبر غير أمين؟”.

“خروج من الظل”

المديرية العامة للأمن الخارجي، التي تمثل النواة الصلبة للمخابرات الفرنسية الخارجية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، عادة ما كانت تفضّل “العمل في الظل”، إلا أن قضية الاستثمار المالي هاته أجبرتْها “على الرغم منها” على أن تجد نفسها مدفوعة إلى الضوء القاسي لـ”الأعمال والبيزنس”، على حد تعبير صحافيي اليومية الفرنسية.

وفقا لمعلومات أوردها تحقيق “لوموند”، اطلعت عليه هسبريس، فإن المدير العام السابق لـ”DGSE” (باجولي) بين عامي 2013 و2017، شكّل موضوع لائحة اتهام وجّهها إليه القاضي كلير ثيبو، في بوبينيي، في 18 أكتوبر 2022، تضمنت “التواطؤ في الابتزاز” و”الاعتداء التعسفي على الحرية الفردية من جانب جهة الإيداع التابعة للسلطة العمومية”.

وسجلت لوموند أنه “كان على الرئيس الحالي لـ DGSE، برنار إيمييه، أن يخرج من صمته، كشاهد بسيط، حول الإجراءات المحرجة للابتزاز التي كان من المحتمل أن تكون المديرية العامة متورطة فيها، في مارس 2016، ضد رجل الأعمال الثري آلان دومينيل”.

“يُشتبه في أن باجولي ونائبه السابق سمحا بـ”تنفيذ ابتزاز وترهيب على رجل الأعمال، عن طريق الصدفة إلى حد ما، في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، مضطرًا إلى إدارة الأموال الخفية لـ{الأجهزة}”، تورد المصادر الإعلامية الفرنسية ذاتها.

“سقوط في شباك العدالة”

بعد عرضهم على القاضي ثيبوت، كان على هؤلاء العملاء الاستخباريين الثلاثة أن يكشفوا “أحد أكثر أسرار الجمهورية المحفوظة: ما الذي حدث لصندوق حرب المديرية العامة البالغة قيمته 23 مليون يورو التي تراكمت لمدة قرن قبل أن تتبدّد في استثمارات محفوفة بالمخاطر؟”

وبحسب مسؤولي الاستخبارات الثلاثة، فإن “دومينيل هو الذي استعاد، من خلال مناورات مالية غير عادلة، أصول الأجهزة الفرنسية لمصلحته الشخصية. إلا أن المستثمر الفرنسي ذاته ما فتئ “ينفي ويشكو لسنوات ضغوطا مورست عليه من طرف DGSE”.

من جهتها، نفت المديرية العامة الحالية بشدة لـ”لوموند”، ضمن تحقيقها المعنون بـ”المخبأ المالي السري لـDGSE في شباك العدالة”، أنها “وجّهت لرجل الأعمال أدنى تهديد أو اختطاف أو محاولة ابتزاز”. “دومينيل هو مبتز دولي مجرِم أُدِينَ في فرنسا كما أنه موضوع ملاحقات ضريبية في الخارج”، هذا ما صرحت به مصالح الاستخبارات الفرنسية، فيما تجنّب جان إيف لودريان، وزير الدفاع (السلطة الوصية حينها) التعليق على الموضوع.

أحد الصحافيين الفرنسيين الذي سبق له نشر التحقيق في يناير الماضي على صفحات “لوموند”، اعتبر أن “DGSE” ستحاول بعد ذلك استرداد أموالها من خلال اللجوء إلى العدالة.

وخلص المصدر ذاته إلى أن “العدالة قد تطلب من Duménil دفع بضع مئات الآلاف من اليورو إلى مديرية الأمن الخارجي الفرنسية، لكن لم يحكم عليه أبدًا بإعادة عشرات الملايين من اليورو المسروقة أثناء عمليته”.

بعد أن وجدت نفسها في “مأزق” لا تحسد عليه، قررت إدارة الأجهزة الفرنسية للأمن الخارجي، مؤخرا، استخدام طريقة غير قانونية، ضاغطة على رجل الأعمال أثناء استجواب جرى أحد أيام العام 2016. و”بينما كان دومينيل في منطقة رواسي، وُضِع في غرفة صغيرة وهناك سيقول رجلان من DGSE للسيد دومينيل: إما أن تدفع لنا 15 مليون يورو بسرعة كبيرة أو قد ينتهي بك الأمر على كرسي متحرك”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم