20 سنة بعد "16 ماي" الإرهابية .. حصيلة ميدانية رائدة وشراكات أمنية قيّمة

20 سنة بعد '16 ماي' الإرهابية .. حصيلة ميدانية رائدة وشراكات أمنية قيّمة

عشرون عاما مرّت على “الأحداث الإرهابية 16 ماي 2003” التي هزت القلب الاقتصادي النابض للمملكة.. هي فترة كافية تأخذ مسافة من الزمن قد تسمح بإجراء وقفة تأمل ونظرة تأنّ مُركزة حول حصيلة العقديْن الماضيين، في مجال مكافحة الإرهاب والسياسة المغربية التي خلقت لنفسها نموذجا متفردا ضمن الخريطة العالمية في هذا المجال.

ولعل المثل العربي القائل “رُب ضارة نافعة” ينطبق بشكل دقيق على وصف مسار الأحداث التي اعتملت بعد عشرين سنة من التفجيرات الإرهابية الغادرة التي ضربت الدار البيضاء في أماكن مختلفة بشكل متزامن، موقِعة 45 ضحية.

التطور الكبير والمتسارع الذي عرفته سياسة المغرب لمكافحة الإرهاب، على مختلف الأصعدة، دينيا وقانونيا وميدانيا واجتماعيا وغيرها، شهدت به مؤشرات وتصنيفات دولية وضعت المغرب في خانة “البلدان ذات التهديد الإرهابي المنخفض جدا”، باحتلاله الرتبة الـ83 عالميا في آخر إصدار من “مؤشر الإرهاب العالمي 2022” على اعتبار أن الدول التي تحتل المراتب الأولى هي الأكثر تهديدا.

المملكة ارتَقت في سلم المؤشر الصادر عن “معهد الاقتصاد والسلام”، أواخر شهر مارس المنصرم، بـ7 مراتب مقارنة مع نسخة السنة الماضية التي حلت فيها البلاد في الرتبة الـ76 دوليا، وحازت معدل 0.757 على اعتبار أن البلدان التي تحرز نقطة الصفر هي الأكثر أمانا.

حصيلة دالة

أبانت أحدَث أرقام حصيلة مكافحة الإرهاب بالمغرب التي جاءت على لسان حبوب الشرقاوي، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عن حصيلة جد مُشرفة تنضاف إلى السجل الإيجابي الذي راكمه المغرب خلال العقدين الماضيين بعدما تمكن “البسيج” منذ إنشائه –قبل 8 سنوات– من تفكيك 90 خلية إرهابية.

وخلال حلوله ضيفا على برنامج “لقاء هسبريس”، الذي بُث بمناسبة ذكرى تأسيس الأمن الوطني وأحداث 16 ماي الإرهابية، قدم مدير “البسيج” معطيات رقمية دالة على نشاط وحركية ويقظة عمليات الرصد والمراقبة الأمنية، مسجلا أن “عمليات تفكيك الخلايا الإرهابية أدت إلى “توقيف 1514 شخصا منذ إنشاء المكتب إلى اليوم؛ من بينهم 35 قاصرا و14 امرأة، منهن اللائي تم توقيفهن في إطار الخلية النسائية التي جرى تفكيكها سنة 2016”.

محطات “مفصلية”

محمد أكضيض، محلل أمني، قال إن “الضربة الإرهابية قلبَت الموازين في العقيدة الأمنية بالمغرب”، مسجلا “تحولا في التعامل من طرف المؤسسة الأمنية بالمغرب مع الجريمة الإرهابية نفسها”.

وأكد أكضيض، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “المملكة المغربية لم يكن في الحسبان أن تتعرض إلى ما وقع؛ بينما كانت تسعى إلى تكريس السلم ونبذ الفرقة وترسيخ دورها التاريخي والحضاري على صعيد البحر الأبيض المتوسط والقارة الإفريقية والعالمين العربي والإسلامي، ما جعلها فاجعة بكل المقاييس”.

“الحادث رغم أنه بدا عرَضيا بشكل معين، إلا أنه أعاد ترتيب موازين القوى الأمنية والنظر إليها بعمق”، سجل الخبير الأمني والاستراتيجي المتابع لتطور الظاهرة الإرهابية بالمغرب بحكم خبرته المهنية لسنوات، لافتا إلى أنه “اعتبارا لحجم الفاجعة، فإنها كانت مِفصلا –حينها– لإعادة هيكلة المديرية العامة للأمن الوطني؛ وهو ما تمثل في تعيين مدير عام جديد وتجديد في الهياكل وإدخال إصلاحات على مصالح الاستعلامات العامة أيضا”.

وصولا إلى عام 2015، وصَفه أكضيض بـ”المتغير الكبير في مسار مؤسسة الأمن بالمغرب” بعدما تم تعيين المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني ليُشرف أيضا على المديرية العامة للأمن الوطني، منوها بما “رافقه كذلك من تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي يعد ثمرة نظرة عميقة واستراتيجية في هيكلة المؤسسة الأمنية، بقُطبيْها الأمني والاستخباري”.

المتحدث لهسبريس مضى مؤكدا أن “تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية كان خطوة عملية تسحق داعش والتنظيمات الإرهابية وكذا تنظيمات الجريمة المنظمة باختلاف أنشطتها التي لدى بعضها امتدادات إرهابية”، معددا مزايا تمثلت في “التغلب على الصعوبات كانت قد تتخلل التنسيق؛ ما جعل المعلومة متوفرة بشكل انسيابي مع تكامل وعمل مشترك”.

وسجل أكضيض “إيجابية الحصيلة” التي جاءت “ثمرة تشكيل وتراكم قاعدة بيانات وتتبع حثيث للخلايا المنظمة أو ما يسمى الذئاب المنفردة في المغرب وخارجه”، مؤكدا أن المؤسسة الأمنية المغربية “جهاز يتغير إيجابيا بناء على هيكلة تمت من جديد؛ أبرزها قسم الجريمة المعلوماتية الذي واكب تطور الإرهاب الرقمي وتمظهراته الإلكترونية”.

شراكات قيمة

كانت الأحداث الأليمة في 16 ماي 2003 فرصة أحسَن المغرب استغلالها وتحويلها من “محنة إلى منحة”، عبر تنويع وتجديد الشراكات الأمنية والاستراتيجية مع دول جارة تتقاسم التهديدات نفسها مع الرباط، أو من خلال ربط وتوقيع أخرى جديدة ذات قيمة مضافة كبيرة مع قوى عظمى، خاصة تلك التي تربطنا بالولايات المتحدة الأمريكية”.

تعليقا على ذلك، سجل أكضيض ريادة المغرب في استباق الخطر الإرهابي وتحييده؛ ما جنبَ دولا مثل إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا “حمامات دم”، ضاربا في هذا الصدد أمثلة على تنسيق مشترك مع المغرب أشادت به هذه العواصم الأوروبية وغيرها.

كما أشاد المتحدث ذاته منوها بـ”زخم تعاون كبير مع دول عظمى؛ في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل”، مؤكدا “أن تضعَ أقوى دولة في العالم وأجهزة أمنها ومخابراتها المغربَ في صلب استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب عالميا ومهام القضاء على داعش وغيرها، فإنها شهادة اعتراف من أقوى جهاز للمخابرات العالمية ما فتئت الوقائع الميدانية وتبادل الزيارات المشتركة بين واشنطن والرباط تؤكدها، فضلا عن عديد الأوسمة التي تلقاها المدير العام للأمن عبد اللطيف حموشي”.

وخلص الخبير الأمني إلى أن “المؤسسة الأمنية بالمغرب تظل بِنْية متكاملة الأركان، لها صيتُها العالمي ومكانتها وحصيلة عملها التي أكسبَتْها تقدير واحترام الداخل وإشادة وتنويه الخارج”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم