إلى السيد الرئيس الجزائري

إلى السيد الرئيس الجزائري

“أدعو فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك” – الملك المغربي محمد السادس، 31 يوليوز 2021.

في سياق الاستعدادات المبذولة بشكل متواصل وجاد لعقد القمة العربية المرتقبة في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وفي إطار التجاذبات السياسية والعسكرية والإعلامية التي يشهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، أقلها الحرب المجنونة المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا، والارتفاع المهول لأسعار الطاقة الحيوية الغاز والنفط، ووصول التضخم إلى أعلى مستوياته في كل دول المعمور.. لا يسعنا إلا أن ننهج مسلك التروي ونتشبث بنبل القيم وفضائل الرسالات الدينية والبشرية الرفيعة، ونعلي من صوت الحكمة ورزانة العقل، عسى أن نتجنب المخاطر المرعبة المحدقة بنا، ونصل إلى بر الأمان والاستقرار والسلام. وفي هذا المسعى الإنساني الوارف أجدني مضطرا لإعادة التذكير برسالة وجهتها إلى الرئيس الجزائري، أنا المواطن المغربي البسيط الذي لا يملك إلا القدرة المتواضعة على الكتابة الهادفة، أملا في طي صفحات الخلاف المغربية الجزائرية، وفتح صفحات أخرى جديدة حافلة بالأعمال المشتركة، الرامية إلى النهوض التنموي والإقلاع التاريخي الراجح:

إلى السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية

تحية واحترام وبعد،

لنترك موضوع الصحراء جانبا، ولننخرط في إحياء الاتحاد المغاربي:

يسعدني أن أكتب إليكم هذه الرسالة المقتضبة -أنا المواطن المغربي الأستاذ والباحث في قضايا الفكر والسياسة- داعيا العلي القدير أن يمتعكم بالصحة والهناء وطول العمر. ندرك تمام الإدراك الوضع الصعب غير المحتمل الذي وُجِدَ فيه شعبنا المغربي-الجزائري، وهو وضع بالغ الأسى لا يعكس بالمرة ما أنجزناه معا من ملاحم ونضالات وتضامن أثناء الاستعمار الأجنبي، بحيث لم يكن هناك حديث عن الحدود والهوية والوطن.. بيننا جميعا، بقدر ما كنا نسعى سعيا لتحقيق الاستقلال والحرية والعمل المشترك بهدف إنجاز نهضة تنموية شاملة نقدمها هدية لشهدائنا الأبرار، ولكل من قدم الغالي والنفيس لبلورة اتحاد مغاربي مزدهر، يضمن المساواة والعدالة والعيش الكريم لكل المواطنين..

وبعد أن جرت مياه غزيرة تحت الجسر وجدنا أنفسنا في سياق جيوستراتيجي بالغ التعقيد، فطفت على وجه العلاقة الثنائية نتوءات وحساسيات وتشنجات، وهو الأمر الذي حدث في أكثر من مناطق جغرافية عالمية، ولعل من أبرز هذه الخلافات موضوع الصحراء، التي استرجعها المغرب إثر حدث المسيرة الخضراء، وانبرى في تعميرها وزرع الحياة فيها حسب إمكانياته وقدراته الذاتية، لكن الجزائر كان لها رأي مخالف، واعتبرت الصحراء منطقة “غير منتمية” لتراب المملكة المغربية، وأنها وانطلاقا من مبادئها وقيمها لن تعترف بمغربية الصحراء إلا إذا أقر المجتمع الدولي ذلك عبر استفتاء “تقرير المصير”، وانطلاقا من إيماننا المطلق بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فإننا لا نطالبكم السيد الرئيس المحترم بتغيير موقفكم حيال الموضوع، إذ لكم كامل الحق في الدفاع عما ترونه صائبا ومشروعا، بقدر ما نطالبكم بترك موضوع الصحراء في أيدي الأمم المتحدة، فهي المسؤولة الوحيدة على ملف النزاعات الدولية وما أكثرها، ووضعه جانبا، للتفرغ لما هو هام وأساسي بالنسبة لبلدينا التوأمين، لقد أضعنا فرصا كثيرة وأخلفنا مواعيد جمة، ولا نريد أن نستمر في هكذا ظرفية قد تنذر بالشر، ونحن نطمح إلى الخير والبناء والرقي والسعي الجاد نحو بناء اتحادنا المغاربي على قواعد حسن الجوار، والاحترام المتبادل والعمل المغاربي المشترك.

دم المغاربة حرام على الجزائريين ودم الجزائريين حرام على المغاربة:

السيد الرئيس المحترم، إن ما يجمع بين الجزائريين والمغاربة أكثر مما يفرق، وما يوحد بينهم أكثر مما يمزق، إن المحبة الصادقة التي يكنها الشعب المغربي لشقيقه الجزائري تتجاوز أي وصف، ولا أشك إطلاقا في المودة الصادرة عن الجزائريين إزاء المغاربة، بل أكاد أقول ليس هناك شعبان جاران في العالم بهذا التآخي والتسامح والتآزر، فعلى الرغم من المماحكات والسلوكيات غير السوية التي تصدر عن هذه الجهة أو تلك أحيانا قليلة، إلا أن الشعبين العظيمين المغربي والجزائري لن تنطلي عليهما “لعبة الأمم” والاستدراج للمحظور، فدم المغاربة حرام على الجزائريين ودم الجزائريين حرام على المغاربة، هذا هو الدرس الذي تعلمناه من زعمائنا التاريخيين الخالدين، إن إضعاف المغرب إضعاف للجزائر وإضعاف الجزائر إضعاف للمغرب، سنرتكب خطيئة بالغة الضرر إذا استسلمنا لقوى الشر هنا وهناك، واقتفينا خطوات بائعي الأسلحة وتجار الموت ومنظري الخراب من سياسيين وعسكريين وإعلاميين ومغامرين بمصير الشعوب. فما أسهل الهدم والدمار وما أصعب البناء والتشييد!

من أجل قمة القرن تجمع الملك المغربي بالرئيس الجزائري:

من هذه المنطلقات المبدئية، ما أحوجنا إلى الهدوء وضبط النفس والطاقة الإيجابية في هذه اللحظة الحرجة التي يسعى البعض إلى أن يتخذها أداة شيطانية جهنمية، لتحقيق مآربه على حساب مصير بناتنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة، ولست في حاجة إلى أن أذكركم بحديث نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: “ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”، فالشدة حسب النبي الكريم، في الحِلم والرأي والمشورة وليس في شيء آخر نعلم ثمنه ومصيره.. وقد سبق لي أن نشرت مقالا في الجرائد المغربية والعربية دعوت فيه إلى عقد قمة القرن بين فخامتكم وجلالة الملك المغربي، لما لهذا اللقاء المباشر والملموس من خير وأمل ونجاة، وكما هو في علمكم خصص العاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس خطاب العرش في سنة 2021 للحديث عن العلاقة المغربية، أكد فيه بكل وضوح أن الشر لن يأتيكم من المغرب، ودعا إلى العمل سويا في أقرب وقت ترونه مناسبا، للعمل على تطوير العلاقات الأخوية الثابتة في الماضي والحاضر. لهذه الحيثيات أناشدكم السيد الرئيس بالتعاطي الإيجابي مع سياسة اليد المغربية الممدودة، بعيدا عن “الشروط والاعتذارات” فالشعوب المغاربية تنتظر على أحر من الجمر إحياء اتحادها لوضع القطار على سكته، والتوجه قدما نحو بلورة مشاريع مفصلية في ميادين التنمية الشاملة، واللحاق بركب الدول المتقدمة وما ذلك على الله بعزيز.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أترك تعليقا

أحدث أقدم