النظام الجزائري يروج أوهام "لم الشمل العربي" لمداراة عقيدة العداء للمملكة

النظام الجزائري يروج أوهام 'لم الشمل العربي' لمداراة عقيدة العداء للمملكة

بين الشيء ونقيضه، يتراوح الخطاب الرسمي الجزائري قبيل انعقاد القمة العربية في السعودية، المقررة في 19 من الشهر الجاري، بين خطاب يدعو إلى “لم الشمل العربي” وخطاب آخر مواز يطعن في سيادة أقرب الجيران.

ملامح هذا التناقض تبدو جلية من خلال تصريحات بعض السياسيين في الجزائر، الدولة التي رحبت بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، كخطوة أولى في اتجاه ما سمتها “الوحدة العربية”، وقبلها بالتقارب السعودي الإيراني الأخير بعد سنوات من العداء بين البلدين؛ لكن ما إن يتعلق الأمر بالمغرب حتى تنتفي كل مسببات الوحدة وأسبابها.

وهي الدولة ذاتها التي احتضنت قبل أقل من عام قمة عربية توجت بـ”إعلان الجزائر”، الذي شدد على ضرورة العمل على تعزيز العلاقات بين البلدان العربية ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها وضمان أمنها القومي.

وما بين إعلان الجزائر وقرب انعقاد قمة جديدة في السعودية، سبق أن عقد الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، الأمل عليها من أجل “ترك بصمات واضحة على الوضع العربي”، يتساءل مراقبون: كيف السبيل إلى تحقيق الوحدة العربية المنشودة في ظل وجود أزمة عمرت طويلا بين بلدين مغاربيين جاريين، في وقت بدأ الدفء يعود إلى العلاقات بين دول ما كان أحد يتوقع أن يتصافح قادتها يوما؟.

مصادر إعلامية عديدة تحدثت عن مبادرة سعودية جديدة طرحها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في زيارته الأخيرة إلى الجزائر، من أجل إعادة إطلاق الحوار مع الرباط، و”تصفير الأزمات والاستفادة من أخطاء الماضي” بين مختلف دول المنطقة.

لكن على ما يبدو فإن النخب الحاكمة في الجزائر يهمها الماضي قبل الحاضر، والجوار البعيد قبل القريب، وتهمها عودة سوريا إلى حضنها العربي، بينما لا تهتم مطلقا بعلاقاتها مع المغرب، وهي العلاقات نفسها التي تقف عائقا أمام تحقيق التكامل السياسي والاقتصادي بين الدول المغاربية والعربية، وبالتالي مطالب الشعوب المتعطشة إلى التنمية والسلام في منطقتها.

أزمة العلاقات بين المغرب والجزائر، وإن كان مستبعدا إثارتها بشكل واضح في قمة السعودية، ليست الشوكة الوحيدة التي تؤلم الجسم العربي، في سياق تطبعه كثرة الملفات المطروحة للنقاش على طاولة القمة العربية، رغم أن عودة هذه العلاقات سيسهم بلا شك في تعبيد الطريق أمام “توافق عربي” وإيجاد حلول لمختلف القضايا العالقة بين مختلف الدول.

مجرد ترف

محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، قال إن “الحديث عن الوحدة العربية بالنظر إلى مجموعة من السياقات وإلى الوضع العربي الحالي، والتجاذبات بين الدول، هو مجرد خطابات بروتوكولية تعكس نوعا من الترف لا أقل ولا أكثر”.

المتحدث ذاته أكد في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “المسألة تتعلق بإشكالات بنيوية إن لم تتم معالجتها فإن وضع الأمة العربية سيبقى مشتتا لا تستطيع معه دول المنطقة أن تعكس المشترك الديني واللغوي الذي يجمعها”.

“البلدان العربية مرت بتمارين عديدة أبانت من خلالها عن عجزها عن اتخاذ مواقف موحدة”، يضيف الأستاذ الجامعي. ويعزو أستاذ العلوم السياسية الوضع العربي الحالي إلى “المحددات السياسية المرتبطة بطبيعة الأنظمة العربية، إضافة إلى الفقر الديمقراطي الذي جعل بعض دول المنطقة تفتقد إلى الحصانة والمناعة اللازمتين لمواجهة كل المخاطر المحدقة بها”.

المغرب والجزائر

من جهته يؤكد لحسن اقرطيط، الخبير في العلاقات الدولية، أن “حلحلة الخلافات بين الدول العربية سيساهم بشكل كبير في تقوية الصف العربي وتنزيل الأهداف التي تأسست من أجلها جامعة الدول العربية”.

الخبير ذاته أورد في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “الخلاف بين الرباط والجزائر واحد من أهم الخلافات السياسية التي طبعت وضعية العالم العربي وأثرت على مسار التنمية في المنطقة”.

وخلص أقرطيط إلى أن “حل هذا الخلاف على قاعدة احترام الوحدة الترابية للمملكة المغربية وتراجع الجزائر عن دعم جبهة البوليساريو، وفق مبدأ قدسية سيادة الدول، سيؤثر إيجابا على العمل العربي المشترك وسينهي واحدا من أقدم الخلافات داخل البيت العربي”.

سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية، قال إنه “لا يمكن الحديث عن شيء اسمه الوحدة العربية في ظل الواقع الراهن للعلاقات البينية بين دول المنطقة”.

وأضاف الأستاذ الجامعي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا الشعار بقي حلما منذ أن ظهر”، مشددا على أنه “لا توجد أي مؤشرات تدل على أنه سيتحقق على الأمدين القريب والمتوسط”.

المتحدث ذاته أكد أن “طبيعة العلاقات بين الدول العربية، المتميزة بالشك المتبادل وثقل الخلافات التاريخية، تجعل من أي محاولة لرأب الصدع العربي صعبة التحقق”؛ وبالتالي فإن “أي قمة عربية في ظل المناخ السياسي الراهن لن تستطيع أن تخطو أي خطوة في اتجاه تحقيق التكامل والوحدة بين الدول العربية”، وفق تعبيره.

أترك تعليقا

أحدث أقدم