حداد يتساءل: اليمين المتطرف في المغرب العربي.. حقيقة أم أسطورة؟

حداد يتساءل: اليمين المتطرف في المغرب العربي.. حقيقة أم أسطورة؟

تساءل لحسن حداد عن حقيقة اليمين المتطرق في المغرب العربي، انطلاقا من تسليط الضوء على مقال وقّعه كل من كريم عمروش ومونيا بن حمادي وفريدريك بوبان تحت عنوان “دول المغرب العربي تقع فريسة للحمى الهوياتية”.

وتطرق حداد، في مقال له بعنوان “اليمين المتطرف في المغرب العربي.. حقيقة أم أسطورة؟”، إلى مجموعة من الجوانب المرتبطة بالموضوع؛ من بينها “القدوم المتزايد للمهاجرين من بلدان جنوب الصحراء”، و”تبني الرئيس التونسي قيس السعيد أفكار الحزب القومي التونسي”، و”الباديسية/النوفمبرية في الجزائر”، و”حركة الموريش”.

هذا نص المقال:

نشرت جريدة “لوموند” الفرنسية مقالا تحليليا بتاريخ 16-17 أبريل 2023 من توقيع كريم عمروش ومونيا بن حمادي وفريدريك بوبان تحت عنوان “دول المغرب العربي تقع فريسة للحمى الهوياتية”. حسب مُعِدِّي المقال فإن ما يغدي هذه الحمى هو تنامي نزعة يمينية متطرفة في تونس والجزائر والمغرب. قد تبدو هذه الأطروحة غريبة الأطوار في نسق سوسيولوجي مختلِف عن الدول الغربية المعروفة باحتضان الفكر اليميني المتطرف؛ ولكن التحليل لا يخلو من عناصر ذات أهمية فكرية وسياسية لكل من يهتم بتطور الخطاب السياسي في دول شمال إفريقيا.

الأطروحة الأساسية لهذا التحليل هي أن القدوم المتزايد للمهاجرين من بلدان جنوب الصحراء هو الأصل في “التقوقع الهوياتي على الذات وتنامي الخطاب المناهض للأجانب”، وهو إسقاط صارخ لظاهرة غربية محضة على واقع سوسيولوجي وسياسي مختلف. الواقع هو غير ذلك: لا “البادييسية/النوفمبرية” الجزائرية ولا “الموريش” المغربية قامتا على أساس مناهضة المهاجرين الأفارقة (ربما الأمر يختلف بالنسبة للحزب القومي التونسي).

صحيح أن هذه الحركات أصبحت تؤثر في الرأي العام في دول شمال إفريقيا، حيث هناك العديد من الخطابات ذات الحمولة الإثنية تتضمن إرهاصات تصورات ذات أبعاد عنصرية (مقال لوموند)؛ ولكنها لا ترقى إلى مرتبة الأيديولوجية كما عرَّفتها “الموسوعة البريطانية” على أنها “نوع من الفلسفة السياسية والاجتماعية والتي تصبح بموجبها عناصرُ عَمَلِيَّة بحثة قضايا نظرية كبرى” و”أفكارا تتوق إلى شرح العالم وكذا تغييره”. بل إنها تبقى أفكارًا لا غير، يتم اللجوء إليها عند الحاجة السياسية كما فعل الرئيس التونسي قيس السعيد عندما تبنَّى أفكار “الحزب القومي التونسي”. لا يعني هذا أنها ليست أقلُّ ضررا؛ ولكنها، ما عدا تكرارَها لمقولة المؤامرة الخارجية لقلب المعادلة الديمغرافية المبنية على العنصر العربي الإسلامي، كما يقول بذلك الرئيس التونسي والحزب القومي (لوموند، المرجع نفسه)، وما خلقه ذلك من متاعب للمهاجرين من دول جنوب الصحراء، فإنها لا ترقى إلى منظومة “تشرح العالم وتريد تغييره” كما هو الحال بالنسبة للنازية والفاشية والجبهة الوطنية وحركات تفوق البيض وغيرها.

ومع ذلك فالهوية العربية الإسلامية التي يقول بها الرئيس التونسي وهجومه على ما سماه هدْراً للزمن السياسي من طرف الأحزاب وعلى اللعبة الديمقراطية برمتها، في امتزاجهما بالخطاب المعادي للمهاجرين عند الحزب القومي التونسي، قد يشكل إرهاصات أولى لتوجه قريب من أقصى اليمين كما هو موجود في الدول الغربية أو في الهند وسري لانكا والبرازيل وغيرها.

الأمر يختلف في الجزائر، حيث إن “الباديسية/النوفمبرية” أتت عقب انشقاق داخل صفوف الحراك (حمزة عتبي، “ما معنى أن تكون “باديسيا نوفمبريا” في حراك الجزائر؟” الجزيرة نيت، 10/09/2019) وهو في الحقيقة حركة داخل الحراك لتوجيهه لمساندة القيادة العسكرية (المرجع نفسه وكذا مقال صحيفة لوموند المشار إليه أعلاه). وهذه الحركة هي مزيج من الإرث الثوري (التي تُنصِّب المؤسسة العسكرية نفسها حامية له) والفكر الإصلاحي ذي النفحة السلفية عند عبد الحميد ابن باديس (1889-1940).

و “الباديسبة/النوفمبرية” مناهِضةٌ لليساريين أو الأمازيغيين ومن لا يتبنون قراءة المؤسسة العسكرية للثورة وللواقع السياسي لفترة ما بعد بوتفليقة، ولكنها لم ترْقَ بَعْدُ إلى أيديولوجيا يمينية متطرفة؛ لأن وظيفتها كانت هي احتواء “الحراك” لصالح التفسير الثيوقراطي والثوري/العسكري للشرعية، بعيدا عن ملابسات العمل السياسي التقليدي المتمثِّل في الأحزاب وجبهة التحرير وغيرها. هل استنفدت “الباديسية/النوفمبرية” مهمتها مع أفول نجم الحراك أم هل سيتم استعمالها لمناهضة أعداء الداخل والخارج المفترضين، (بمن فيهم المهاجرون)؟ هذا أمر لا يمكن الحسم فيه الآن، رغم أن خطاب الدفاع عن الهوية الجزائرية أصبح شيئا متجذرا لدى شرائح مهمة على الفضاء الافتراضي، تنهل من الآليات البلاغية لـ”الباديسية/النوفمبرية” للتعبير عن انتمائها لهذه الهوية (متخيلة كانت أو حقيقية).

أما بالنسبة للمغرب، وحسب جريدة لوموند، فإن حركة “الموريش” هي من يمثل اليمين المتطرف الصاعد. والموريش حركة ثقافية تقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، وهدفها هو جعل المغرب دولة عظمى كما كان في السابق، أي إعادة أمجاد مغرب العهد الوسيط في فترات حكم المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين. ويتزعم “الموريش” أفراد لا يكشفون عن هوياتهم وشعارهم هو نجمة المرينيين ذات الأضلع الثمانية ويمزجون بين النزعة المحافِظة والقومية وحماية التراث ممن يقولون إنهم يتربصون بسرقته.

وقد يصل بهم الأمر إلى حد تعبئة جمهور عريض من رواد التواصل الاجتماعي بطريقة جد قوية كما فعلوا ضد وزير الثقافة الأسبق والذي قَبِل بتسجيل أكلة “الكسكسي” لدى اليونيسكو على أنها تراث مغاربي مشترك (بدل أن تكون مغربية محضة)؛ مما جعل البعض ينعتهم بالفاشية (انظر مهدي مشبال، مقال بالفرنسية تحت عنوان “الموريش، مجهولو الهوية هؤلاء الذين يريدون إعادة إحياء القومية المغربية”، ميديا 24، 14 مارس 2021).

للموريش تأثير قوي في أوساط عريضة من رواد “تويتر” و”فيسبوك”؛ ولكنهم لم يتحولوا بعد إلى قوة سياسية، مثلما هو الحال في الجزائر أوتونس. ومع ذلك فتركيزهم على الجانب الثقافي (حماية التراث المغربي) والتاريخي (إعادة إحياء أمجاد الماضي) ومعاداتهم للحركات الأمازيغية والإسلامية واليسارية يجعلهم قوة متراصة من الناحية الأيديولوجية؛ غير أن استمرارهم كحركة بدون قائد هو نقطة قوتهم وضعفهم في الوقت ذاته: الكثير ممن ضاقوا ذرعا بالنزعات الوطنية التي تمثلها الأحزاب التقليدية يجدون ضالتهم في “الموريش”؛ ولكن عدم وجود ريادة داخل هذه الحركة يحُدُّ من تأثيرها في مجال التعبئة السياسي، على الأقل في الوقت الراهن.

هكذا فإن مقولة اليمين المتطرف في بلدان المغارب تبقى أمرًا ربما سابقا لأوانه، واستعمالها لوصف حركات ما زالت عبارة عن إرهاصات شبه أيديولوجية بل وهامشية لا يوفي الظواهرَ حقَّها؛ ولكن الكثير من هذه الحركات لها مقومات الحركات اليمينية المتطرفة، سواء فيما يخص معاداة الهجرة (الحزب القومي التونسي) أو مساندة الحلول العسكرية المحافِظة (الباديسية/النوفمبرية) أو تمجيد عظمة الأمة الغابرة (الموريش).

هل ستتبنى الأنظمة السياسية هذه الحركات؟ هذا ما يقع في تونس بطريقة مباشرة وفي الجزائر بشكل مُضْمَر، وفي المغرب بشكل متردد وعبر وسائط التواصل الاجتماعي فقط. ما هو أساسي هو أن هذه الحركات لا تشكل خطرا على الأنظمة القائمة؛ ولكن على من كان يمثل التيار الوطني/القومي فيها إلى وقت قريب. لهذا، فالعنوان العريض لهذه الحركات هو “إعادة إحياء النزعة الوطنية عبر حركات اجتماعية/رقمية تخدم أجندات محافِظة (ربما عنصرية؟) وغير مُمانِعة داخل هذه المجتمعات”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم