دراسة توصي بـ"علمانية تضامنية" في التعليم لمواجهة "العلمانية المتوحشة"

دراسة توصي بـ'علمانية تضامنية' في التعليم لمواجهة 'العلمانية المتوحشة'

بالرغم من الإيجابية التي ينطوي عليها الخطاب الرسمي في مجال تمكين المواطنين من الحق في التربية والتعليم على قدم المساواة، إلا أن أحد العارفين بخبايا منظومة التربية التكوين في المملكة، وهو عبد اللطيف المودني، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أكد أن المنظومة التربوية المغربية ما زالت تكرّس الفوارق.

وقال المودني، أستاذ التعليم العالي بكلية علوم التربية بالرباط، خلال تقديمه لدراسة علمية حول علوم التربية بالمغرب أنجزها فريق علمي مكون من عشرة أساتذة، إن منظومة التربية تعيد إنتاج الفوارق الاجتماعية في شكل فوارق في التربية، لأسباب وعوامل متعددة، اقتصادية وذهنية ومالية…

وأضاف: “في الدستور وفي مشاريع الإصلاح وفي السياسات العمومية والقوانين، نتحدث عن إلزامية التعميم المُنصف للتعليم، لكننا نعيش في الواقع حقيقة أخرى هي حقيقة الفوارق”، داعيا الجماعة العلمية في ميدان علم الاجتماع إلى مساءلة دور السوسيولوجيا في الإسهام في إيجاد حلول لهذا الواقع.

وأردف بأن مساءلة أدوار علوم التربية أصبحت أكثر إلحاحا “في زمن العولمة، واهتزاز الثقة والسيطرة المتنامية للاّيقين في المعارف والمؤسسات، والنزوع نحو التشييء على حساب الأنسنة”.

وأوضح أن “التجلي الأوضح للتشييء يتبدّى في المعجم المفاهيمي المستعمل في الخطاب التربوي، فعندما نتحدث عن المُدخلات والمُخرجات والجودة، وكثير من المفاهيم القادمة من عالم السلع والبضائع، فلا بد من مساءلة علوم التربية واجتهادها للتفكير وتطوير هذه المفاهيم”.

واعتبر المودني أن “طريقة تلمُّس الأجوبة عن هذه المُساءلات تستدعي التفكير في إمكانية اتجاه علوم التربية نحو معارف تخدم عَلمانية تضامنية في مواجهة العلمانية المتوحشة والمهيمنة؛ علمانية تضامنية قوامها ترسيخ اقتصاد ومجتمع المعرفة بما يستدعي من تعميم للتعليم، واستعمال يقظ ووظيفي التكنولوجيات الرقمية”.

وتابع بأن “التقنيات التي نؤسس معها اليوم علاقة انبهار تستدعي التفكير في وجهها الآخر، الذي يعمق الآن نزوعات الفردانية، إذ أصبحنا اليوم نعيش مشكلا على مستوى الروابط الاجتماعية، والعلاقات الأسرية، ولذلك ينبغي أن نسائل هذه التكنولوجيات عوض أن نتعامل معها بانبهار، دون أن يعني ذلك التنكر لإيجابية هذه التقنيات”.

وأشار المودني إلى أن المنظومات التربوية “تراجعت كثيرا في القيام بوظيفتها القائمة على التربية على القيم، في زمن يعيش انقلابا سلبيا للقيَم، وفي زمن يعيش تحولا على مستوى علاقته بالحقيقة، ذلك أننا في مجتمع اللايقين في المؤسسات، ومنها المدرسة، واللايقين في المعارف التي تنتجها مختلف العلوم، ومنها علوم التربية”.

هذه الأخيرة، يورد المتحدث، “تعيش تحديات لم يسبق لها مثيل أمام الاكتساح الجارف للعولمة والتدويل السياسي والاقتصادي والثقافي على الصعيد العالمي، حيث صار سؤال الهوية يلاحق كل شيء، بدءا بالحدود الجغرافية والإثنيات الديمغرافية والخصوصيات المجتمعية والثقافية، وانتهاء بالأجوبة المقدمة من قبَل التخصصات العلمية، لا سيما منها الإنسانية والاجتماعية”.

ودعت الدراسة التي أشرف عليها الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والتي توجد قيْد الإنهاء، إلى توجه علوم التربية أكثر نحو التربية على القيم والسِلك المدنية الفضلى، من خلال إعادة الاعتبار لقيمة العمل والاجتهاد، في ظل توجه الأفراد وميلهم أكثر نحو تحقيق أكبر ربح بأقل مجهود.

وقال المودني إن “ميْل الأفراد نحو تحقيق الربح بأقل مجهود، يتم على حساب قيمة العمل والاجتهاد وقيمة المثابرة وقيمة النبوغ والجدارة والاستحقاق والنزاهة والتنافس الشريف”، داعيا إلى إعمال كل أساليب التعلم والاكتساب الهادفة إلى تكوين عقول مكتملة البناء “Des têtes bien faites”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم