موجات ارتفاع الحرارة تهدد المغرب باندلاع حرائق الغابات في فصل الربيع

موجات ارتفاع الحرارة تهدد المغرب باندلاع حرائق الغابات في فصل الربيع

“ربيع قائظ” هو النعت الأكثر دقة لوصف درجة حرارة هذا الموسم، الذي من عادته أن يشهد أجواء معتدلة تناسِب مكانته وسط الفصول؛ إلا أن نشرات إنذارية توالت وتعددت منذ مستهل فصل الربيع أواخر مارس 2023، مُحذرة المغاربة من موجات حر شديدة فاقت في أغلب الفترات 40 درجة مئوية حسب الجهات.

فضلا عن الأضرار الفلاحية، التي من المرتقب أن تطال انعكاساتها محصول الزراعات الربيعية، “يُبشر” توالي موجات الحر الشديد بأرقام قياسية في ربيع هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية بموسم حرائق ممتدٍ في الزمان كما المكان، حيث بدأت بعض الحرائق، التي اندلعت مؤخرا في بعض غابات المغرب، تقرع جرس الإنذار.

بدرجات حرارة تتراوح بين 38 و43 درجة، من المرتقب أن تشهد عدد من أقاليم المملكة طقساً حارّا بداية الأسبوع (8 و9 ماي)، حسب نشرة إنذارية من “مستوى يقظة برتقالي” أصدرتها المديرية العامة للأرصاد الجوية. إذ يرتقب تسجيل حرارة بين 38 و42 درجة بأقاليم تارودانت، كلميم، قلعة السراغنة والفقيه بن صالح.

وأفاد المصدر ذاته أن 43 درجة (كأقصى تقدير) ستهم مناطق كلميم، تارودانت، أكادير إداوتنان، إنزكان آيت ملول، اشتوكة آيت باها، طاطا، السمارة، طانطان، طرفاية، أوسرد، شيشاوة، اليوسفية، مراكش، الصويرة، الرحامنة، قلعة السراغنة، الفقيه بن صالح، سطات، سيدي سليمان وسيدي قاسم.

تفسيرات علم المناخ

محمد سعيد قروق، أستاذ الجغرافيا وعلم المناخ بكلية الآداب بالدار البيضاء، أكد أن “الحرارة ترتفع بالفعل، وبسرعة وتواتر كبيريْن مقارنة بما كان مألوفاً طيلة سنوات”.

وقدم قروق إفادات خصَّ بها جريدة هسبريس الإلكترونية، قائلا: “من الناحية العلمية الفيزيائية، نجد تفسير هذا الأمر في الاختلال الحاصل في الميزانية الطاقية للأرض التي عرفت ارتفاعاً بعدما كان التوازن سِمَتها الغالبة”، مشيرا إلى أن “هذا حصل بعد عدة تدخلات بشرية عملت على خلخلة هذه التوازنات، ليس فقط بفعل انبعاثات غازات الاحترار، وإنما أيضا بتغيير معالم الأرض وتملُّك الطاقة”.

وأضاف أن “الميزانية الطاقية للأرض ارتفعت، مما يعني، بالنتيجة، ارتفاع حرارة الأرض، وهو شيء عادي يطال تأثيره لا محالة كل المكونات الحية والدورة المائية والتربة، سواء في القارات أو البحار”.

هل صارت الحرارة “قاعدة”؟

يؤكد قروق أن “هذه الحرارة، التي باتت تعرف نوعا من التطرف والعنف في السنين الأخيرة، كانت تعد إلى حدود الربع الأخير من القرن العشرين استثناء قبل أن تترسخ كقاعدة اليوم”.

ولفت إلى أنه “لا يجب التعامل معها كاستثناء أو ظاهرة مناخية شاردة تتكرر مرة كل مائة سنة مثلا، بل غدَت من مميّزات المناخ الراهن، مما يستوجب التعامل معها كأحد مكونات البيئة الحالية”، مسجلا “أهمية التعامل مع موجات الحر بواقعية كبيرة عبر التأهب لها قصد الاستفادة من خيراتها وتجنب ويلاتها”.

“ارتفاع الحرارة يعد عاديا جدا في القسم الأخير من فصل الربيع، الذي يعد انتقالياً بين الشتاء والصيف، والذي عادة ما يواكبه تطور متسارع في الدورة المائية”، يقول أستاذ علم المناخ، مؤكدا أن “الفاعلين العموميين ملزمون بتدبير المياه ومخزونها المتوفر إلى حدود شهر شتنبر القادم على الأقل بالنظر إلى أن الفصل الماطر أصبح وراءنا”.

وخلص إلى أن “الغابات غير المعتنى بها هي التي تمثل وقود الحرائق، التي من المحتمل أن تشهد ارتفاعا خلال فصل الصيف”، بينما العامل الطبيعي التلقائي يظل “ضعيفا عموما”، كما أن الأسباب البشرية لها قدر كبير في نشوب الحرائق.

“ستباق الحرائق

لم يُخف محمد بنعبو، مهندس بيئي خبير في النظُم الإيكولوجية، قلقه من “ارتفاع درجات الحرارة بشكل متوالٍ في ربيع 2023″، مذكرا بـ”فقدان 300 هكتار من الغابات والنباتات في ظرف أربعة أيام فقط بنواحي إقليم شفشاون شمال المغرب، بينما فقدْنا خلال الصيف الماضي 24 ألف هكتار التهمتها الحرائق”.

ولمواجهة هذه الحرائق، أوصى المتخصص في قضايا البيئة والتنمية المستدامة، في تصريح لجريدة هسبريس، باعتماد “خريطة يقظة على مستوى الغابات، لاسيما المناطق التي من الممكن أن تشكل بؤراً لاشتعال النيران والشرارات الأولى”.

ودعا السلطات المختصة إلى “تحديد الأولويات” واعتماد “منطق استباقي” لأن ما عشناه من درجات حرارة في فصل الربيع يظل “قياسياً في ظل دورة جفاف هيكلي استمرت خمس سنوات”.

غياب الاستثناء

شرح بنعبو لهسبريس أن “التربة الجافة نتيجة الجفاف مع شح المياه السطحية ونقص الجوفية.. كلها عوامل تجعل انتشار الحرائق سهلاً، وتواترها كبيرا”، مشيرا إلى أن أحدَث تقرير لخبراء البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا حول المناخ أكد أن المملكة عرفت الحرارة ذاتها بدول جنوب أوروبا (إسبانيا والبرتغال أساساً) عبر انتشار التمظهرات المناخية نفسها”.

“المغرب ليس استثناءً في موجات الحرارة المتكررة والمبكرة”، يؤكد الخبير ذاته، لافتا إلى أنها “لم تعُد حرارة لمدة يومين، بل على الأقل تمتد أسبوعا، شاملة مناطق جغرافية واسعة”.

كما حذر من هيمنة ظاهرة مناخية تدعى “النِّينيو” تبدأ من المحيط الهادي عبر تسخين المياه السطحية البحرية؛ وبالتالي ترتفع درجة حرارة الكوكب تدريجيا، حيث “من المحتمل أن نصل إلى عتبة 1.5 درجة مئوية في أفق عام 2024”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم