المخطوط المغربي.. تحديات تعيق اكتشاف "عطاء الأجداد" وتبخس "حضارة الأفذاذ"

المخطوط المغربي.. تحديات تعيق اكتشاف 'عطاء الأجداد' وتبخس 'حضارة الأفذاذ'

كيف هو وضع المخطوط في المشهد الثقافي بالبلاد؟ تقدم الأكاديمية نجاة المريني ملاحظات متعددة حول الصعوبات التي يعيشها، والحلول الممكنة لإحياء درره من أجل تأكيد “الحضور الوازن للشخصية المغربية عبر مراحل تاريخية ممتدة في الزمان والمكان”، و”حفظ الشخصية المغربية وصيانة الهوية الوطنية”.

كتاب “نظرات في منهج تحقيق النصوص التراثية”، الصادر عن دار أبي للطباعة والنشر، للأكاديمية التي أنشأت أول وحدة لتحقيق المخطوط العربي بالجامعة المغربية، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطلع الألفية الثالثة، تأسف لصدور “العديد من المخطوطات في حلة رديئة”.

وأضاف الكتاب منتقدا “ما صار إليه أمر تحقيق النص التراثي” بسبب من “اتخذ عندهم طابعا تجاريا بعيدا عن التحقيق العلمي الجاد والمطلوب”، مما ينتج عنه “تشويه للنص التراثي المغربي المخطوط”.

وذكرت نجاة المريني أن “مشكلة العمل في التراث المخطوط هي التحقيق العلمي الجاد، بعيدا عن النشرات التجارية التي تسيء إلى التراث، وإلى قرصنة ما سُبق العمل فيه”، وزادت مفصلة: “إن ما أساء ويسيء اليوم إلى التحقيق العلمي هو هذا التهافت على العديد من المخطوطات بنشرها وطبعها بعيدا عن التحقيق العلمي المطلوب، مع إدراج عبارة تحقيق دون وجه حق، أو قيام باحث بقرصنة عمل سابق ونسبته إليه دون حرج أو غيره”.

وتابعت بعد تقديم مثال عن “قرصنة التحقيقات”: “إننا في حاجة إلى محتسب تراثي يحسن انتقاء الباحث القادر على ممارسة تحقيق النص التراثي، وإلى النظر في السرقات والقرصنات التي تضرب في العمق التحقيق العلمي الجاد وتسيء إلى المخطوط العربي على اختلاف موضوعاته بمنع تداولها، أي الأعمال المقرصنة، والتشهير بها، ومحاربة ناشريها، والتنديد بأعمالهم، وفضح سرقاتهم”.

ومن بين ما نبه إليه الكتاب الحاجة الماسة إلى “عناية أكبر لتجميع هذه الثروة من المخطوطات المشتتة في الخزائن العامة والخاصة في المناطق المغربية”، وواصلت الأكاديمية: “ما زلنا نجهل الكثير عن هذه المخطوطات؛ إما لامتناع أصحابها عن تقديمها إلى الدوائر المسؤولة لتصنيفها وفهرستها، أو لتعذر فهرستها من طرف أصحابها، ويبقى على الدوائر المسؤولة عن الوثائق والمخطوطات أن تعمل على فهرسة المخطوطات وتصنيفها وصيانتها”.

كما سجل الكتاب ملاحظة للمريني حول جمهور هذه المخطوطات المحققة وما يحكم تصوراته، فقالت: “إن ما يؤلم ويحز في النفس هو هذا الارتماء في أحضان الثقافات الأجنبية ومدارس البعثات والاستهانة باللغة الوطنية التي أهملها أصحاب الشأن العام على اختلاف درجاتهم ومسؤولياتهم باسم الحداثة والعصرنة، والأدلة على ذلك كثيرة (…) ومن ثم، يتضح أن المستعمر، بأدواته الإجرائية، نجح في استعمار البلاد ثقافيا وفكريا قبل استعماره اقتصاديا”.

وانتقدت الأكاديمية أيضا “السياسة التعليمية الفاشلة التي أساءت إلى تراثنا وهويتنا، والاستقواء بمدارس البعثات الأجنبية التي تبث السموم في فكر أبنائنا، وتغرس فيهم بطريقة غير مباشرة بذور التنكر للحضارة الوطنية”.

ومن بين السلبيات التي رصد الكتاب إعاقتها “إحياء هذا التراث” “عزوف الباحثين الشباب عن التعامل معه لأسباب عديدة؛ منها: صعوبة التوصل إليه، قصور فهم وقراءة محتويات أي مخطوط، العامل الزمني الذي يستغرقه الاشتغال بالمخطوط والذي لا يشجع الباحثين عليه، خاصة إذا كان ذلك للحصول على درجة علمية”.

ومن السلبيات أيضا “إهمال أصحاب الشأن (وزارة الثقافة، المؤسسات العلمية، المؤسسات الجامعية، أصحاب رؤوس الأموال) لنشر الأعمال المنجزة في تحقيق النصوص التراثية، فتبقى حبيسة الرفوف، إلا من عمل على نشره بوسائله الخاصة، وهذا يؤدي إلى الانصراف عن أي مخطوط لتحقيقه”، ثم استدرك الكتاب منوها “بما تقوم به بعض الكليات، وهي قليلة جدا، في نشر بعض الرسائل الجامعية التي اشتغلت بتحقيق النصوص التراثية”.

ودعا المؤلَف إلى “محاربة الاستهتار بالعمل التراثي، إذ تلاحظ الإساءة إليه عندما لا يتم التعامل معه بناء على قواعد مضبوطة وملزمة، بعيدا عن التحقيق التجاري (…) وفي ذلك تدمير لتاريخية النص التراثي ولوجوده”، وتحدث أيضا عن “عزوف دور النشر عن طبع الكتب التراثية مما يزهد الاشتغال بها”، وضرورة “حلول جذرية لمشكلة توزيع الأعمال التراثية المحققة والمطبوعة”.

كما استحضرت نجاة المريني “أطماع المؤسسات العربية والأجنبية في ذخائر المكتبة المغربية التراثية وتسهيل تصوير نفائسها وتسويقها”، و”ما يلاحظ من جري واستباق إلى التشبث بكل ما هو جديد وعصري في البحوث والدراسات”؛ مما قد يؤدي إلى “فشل مركب، لأنه يلغي الوجود الذاتي للأفراد أو البلاد”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم