الدراما التركية البليدة

الدراما التركية البليدة

ليست كل المسلسلات والأفلام التركية رديئة الكتابة والإخراج، لأن ذلك مرتبط بثمن السلعة التي تشتريها؛ فالدراما التركية الرائعة ذات المحتوى القيّم والكتابة المحبوكة والتمثيل الفني البديع لها ثمن، وقد غزت هذه الدراما الكثير من الشعوب المعروفة بعراقة إبداعها الفني. لكن القناة الثانية لا تكلف نفسها احترام المشاهد المغربي، فتشتري من الخردة التركية (البال) ما عافه السبع، والنتيجة مسلسلات كثيرة المواسم قليلة الغلة لا ترقى إلى وسخ الدراما المغربية التي بدأت في السنين الأخيرة تثير إعجاب المغاربة، وربما حتى المشارقة، لأنها تصاغ وفق منطق الكتابة الدرامية المقبول وليس بمنطق اللامعقول التافه.

اقتنعنا، منذ مدة طويلة، بأن التلفزيون المغربي لم يعد قادرا على شراء الأفلام الدولية بسبب ارتفاع سومتها، وأنه عوضا عن ذلك يستثمر الأموال في دعم المسلسل المغربي (الفيلم يدعمه المركز السينمائي المغربي).

وقد نتجت عن ذلك نهضة فنية مثيرة للإعجاب؛ لكن أن نؤْذي المشاهد المغربي بدراما منحطة فنيا وموضوعيا فذلك ما لا يمكن السكوت عنه، حتى أنه تم التطبيع مع الجريمة والمجرمين، من خلال شخصيات عنيفة تحترف القتل في مافيات مختلفة الأهداف، من مخدرات وبلطجة و”زطاطة” وقتلة مأجورين وغير ذلك. وفي نهاية الموسم الـ5 أو الـ6 يقتنع الطفل أو الشاب المغربي بأن بطل المسلسل من حقه أن يكون شريرا ضد الأشرار دون الرجوع إلى سلطة القانون. وقد لاحظت أن حجم ظهور الأسلحة في الدراما التركية تجاوز بكثير ما اعتدنا عليه في الأفلام والمسلسلات الأمريكية.

تقدم القناة الثانية، منذ سنوات، مسلسلات تركية هي من أتفه ما رأيت منذ بداية البث التلفزيوني في المغرب (مسلسل “سامحيني” لا سامح الله من فرضه على المغاربة)، لم ترق حتى إلى مستوى المسلسلات المكسيكية التي كنا نتهكم عليها، قد تشاهد حلقة كاملة من رجوع الشخصيات إلى الذاكرة القريبة أو البعيدة (فلاش باك)، وأحيانا ينتظر المشاهد دقيقة أو دقيقتين لتجيب شخصيةٌ ما شخصيةً أخرى، وقد يكون نصف الحلقة موسيقى، مع الإكثار من تجسس البعض على البعض ومن المفاجآت التي من كثرتها لم تعد تفاجئ أحدا. ومن الشخصيات التي يتوفاها الله إلى رحمته فترجع إلى الحياة بقدرة قادر، أما المعترضون والمعترضات للرصاص فحدث ولا حرج. وكلما كثرت الحلقات والمواسم تفككت الرابطة المنطقية بين الأحداث وتلونت الشخصيات، فتكون شريرة في البداية ثم تصبح مع الملائكة في الموسم الثالث وهكذا. وتصل التفاهة عنفوانها مع الشخصيات الطيبة التي تتصرف ببلادة أقل من حيوانية ومع الشخصيات التي تصل إلى درجات من الشر غير مبررة.

هناك من سيعترض قائلا إن للمشاهد حس النقد ليختار ما يشاهده، فيمتنع عن متابعة الرداءة التركية؛ لكن علماء النفس والاجتماع يتحدثون عن إدمان المتفرج الذي لا يفرق بين الحقيقة والخيال، فيقيّد نفسه بمغناطيس لا ينفك معه من العمل التلفزيوني أو السينمائي أو المسرحي. ونذكر، هنا، المسلسل الأمريكي “الجميلة والوحش” الذي قدمته القناة الثانية بعنوان “طوب موديل” وقد وصل اليوم إلى الموسم الـ36 ولا يزال يعرض في الكثير من القنوات، والناس لا يزالون يتابعونه من كل الأقطار، على الرغم من أن أغلب شخصيات المواسم الأولى توفيت أو اختفت. وكما يقول المثل المغربي “كل فول كايجيب ليه الله كيالو” إلا أن الفول التركي صعب الهضم.

أريد أن أقول إن الدراما التركية الرخيصة تستبلد ذكاء المشاهد المغربي، ولا يفلت من ذلك إلا العقول النيّرة التي أنعم عليها الله ببصيرة النقد وعدم الانجذاب إلى دوامة الاستلاب، وأن هذه الدراما بمستواها المنحط الذي تقدمه القناة الثانية يعتبر إهانة للمشاهد المغربي، وعوض أن يكون تثقيفا له وإعلاء لمستوى تذوقه يدفعه إلى التطبيع مع العنف والرداءة، وهي مسؤوليتنا جميعا، حين نرى التفاهة تنتقل بين العقول كطاعون لا دواء له ولا نحرك ساكنا.

نصيحتي الأخيرة للمشاهد المغربي: ألا يتجاوز ثلاثين حلقة من أي مسلسل تركي لا يتضمن خمسة ممثلين، على الأقل، من أحسن مشاهير الدراما التركية. هذا هو المعيار الذي يفرق بين الغالي والرخيص. ولكم واسع النظر.

أترك تعليقا

أحدث أقدم