فاعلون من مختلف المشارب يستحضرون وفرة عطاء الراحل عبد الكريم غلاب

فاعلون من مختلف المشارب يستحضرون وفرة عطاء الراحل عبد الكريم غلاب

تذكر للعطاء المتعدد للأديب والصحافي والسياسي عبد الكريم غلاب جمع أكاديميين وصحافيين ومسؤولين، أمس الأربعاء، بمقر المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.

وقال عبد اللطيف بن صفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، إن هذه مناسبة “لتكريم عَلَم من الأعلام الوطنية المغربية”، و”عنوان للفعل المتعدد السياسي والأدبي والصحافي، ولا يمكن ذكر اسمه إلا وينتابنا الحنين إلى العصر الذهبي للصحافة الوطنية الحزبية التي أسست بحق لممارسة صحافية ملتزمة بقضايا الأمة”.

وتذكر المتحدث “المسار المتميز لجريدة العلم الغراء، والعمود المتين ‘مع الشعب’، الذي وقّعه اسم بارز لكفاح الصحافة الوطنية غداة استقلال المغرب”، عرف أيضا بوقوفه “ضد استمرار عناوين صحافية أجنبية لم تتوان، في عهد الحماية، عن مهاجمة رمز الأمة محمد الخامس والإساءة إليه”.

وواصل: “لقد ساهم في تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ثم ترأسها، وقاد مقاومة شرسة ضد صحافة ‘ماس’، ونستحضر معه جيلا كاملا ممن طبعوا تاريخ المغرب المقاوم والمناضل”.

الأكاديمية نجاة المريني ذكرت، من جهتها، أن غلاب “من الأعلام الرواد في الكتابة والتاريخ، وغزر إنتاجه، واتسعت مجالات اهتمامه”، كما “بز الكثير من الصحافيين بكتاباته الصحافية، ومزاولة المهنة التي أحبها وعشقها، وكان رائدا فيها طول حياته، وإلى أن وافاه الأجل”.

واستحضرت المريني ما كان يقوله غلاب حول “الكتابة” التي عدها هويته، والقلم والورق اللذين يتحقق بهما وجوده؛ ولذلك “أغنى الحقل الثقافي بمؤلفاته المتعددة”.

وتابعت: “في الصحافة كان يعشق جريدة العلم، التي علمته الكتابة والقراءة، وكيف يتحدث، وكان يحس بعلاقة قوية بينه وبين جريدة العلم، وكان يجد فيها ذاته وحبه (…) وأغرته الصحافة، وجعلته مهموما بها، يكتب ويلاحظ ويفكر معها”.

وواصلت: “كانت الصحافة رسالة وطنية وسياسية وفكرية يؤديها لبلاده ولصالح الحرية والاستقلال والديمقراطية، ولم يكن يكتب تحت الطلب بل يكتب بحرية، ولم يتدخل حزب الاستقلال قط في ما يكتبه، وكان يجد راحة نفسية في عدم الرقابة، ثم لما حصلت الرقابة غادر الجريدة مكرها، لأن فيها اعتداء عليها وعلى كرامتها”.

وتوجهت نجاة المريني إلى حرم الكاتب الراحل، الحاضرة بين الجمهور، مذكرة بأنه “كان يرى فيها السند والعضد، فقد كان يشغل كل شيء إلا الأسرة والبيت، وكانت تنجز ما عجز هو عن إنجازه”، وأضافت: “لقد كان يتحدث عن أمه بمحبة وصدق، أم مناضلة، تحملت سجن وغربة أبنائها”.

مبارك ربيع، رئيس مؤسسة علال الفاسي، اهتمت كلمته بالخطاب السردي عند عبد الكريم غلاب و”وعي الزمن عنده”، منطلقا من نهاية رواية “دفنا الماضي” بـ”لم ندفن الماضي”، لتأتي بعد أربعة عقود رواية بالعنوان نفسه.

زمن عبد الكريم غلاب، وفق ربيع، هو “الزمن المجتمعي الاجتماعي، وكان يحمل هم صنع هذا الزمن، بغض النظر عن التحقق أو عدم التحقق”، و”الزمن آلية تصورية تحدد وجود الإنسان، ويحدد بها وجوده، وما تفعله هو زمنك”.

وذكر مبارك ربيع أن غلاب “مؤسس السرد المغربي، رغم أن مؤرخي الأدب المغربي يرجعون إلى البدايات الأولية؛ لكن تبقى “دفنا الماضي” الرواية المكتملة المنجزة بوعي لتكون في هذا الجنس الأدبي، وأنجزها وهو مكتمل المزاج والأدوات، فكان يؤسس بفعل لهذا الجنس الأدبي، والانتقادات لها كانت محض إيديولوجية. ولذلك، لم يأخذ هذا العمل ما كان يجب أن يأخذه من موقع”.

محمد الدرويش، رئيس مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم المنظمة للقاء، قال، بدوره، إن في العودة إلى منجز ومسارات الراحل عبد الكريم غلاب “تثبيتا لثقافة الاعتراف” بـ”شخصية بصمت تاريخ المغرب المعاصر، بمسار غني في كل مراحله”.

وزاد: “شكل غلاب علامة رئيسة في تاريخ المغرب الحديث، وترك بصماته في تاريخ أجيال متعددة، منها الأدبي والحقوقي والاجتماعي والصحافي والسياسي، وهو مؤسس لأجناس أدبية جديدة عديدة (…) وزارع لبذور الرأي الحر والاستقامة الأخلاقية”.

وباسم جريدة العلم، ألقى عزيز اجهبلي كلمة عن “أستاذ الأجيال والقامة الفكرية من العيار الثقيل” عبد الكريم غلاب الذي “انتعشت (العلم) بفعل كتاباته وإدارته، فقد كان إيمانه راسخا بالكتابة في الصحافة والأدب، واختار الكتابة لمقاربة هموم المغاربة (…) وميزته الكتابة عن غيره”.

ونبهت الكلمة إلى “مبدأ وقيمة التفاؤل في كتابة غلاب، فهذه كلمة كثيفة الحضور في كل ما كتبه”، وإلى إيمانه بـ”رسالة الكاتب نحو الآخر والمجتمع والمستقبل”؛ لأن “الكتابة مبدئية وأخلاقية، ينسق حروفها بمهارة، ويحولها إلى ممارسة أخلاقية”. ثم أردفت قائلة إن الفقيد قد آمن بـ”المثقف ودوره في تأسيس وتسييس وتخليق المجتمع”؛ و”بالكتابة اندرج في الكفاح من أجل الوطن، ودعا إلى تكسير القيود، والتحرير والحرية”.

الأستاذ الجامعي الموساوي العجلاوي وصف الجلسة بـ”الدرس الوطني”، الذي “يجب أن نربط فيه الماضي بالحاضر والمستقبل؛ لأن الحاجة اليوم ماسة إلى هذا النوع من التلقي الوطني، في ظل التطور السريع لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام”، ثم أجمل مشددا على “الحاجة إلى التذكير بتاريخنا، وتقديم هذه الصور لأجيالنا المقبلة، ليبقى الصرح قويا صارما أمام الموجات التي يمكن أن تأتي”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم