البريني يكشف تورّط النظام الجزائري في تفجيرات "أطلس أسني" بمراكش

بعدما تطرق الكاتب والصحافي محمد البريني، في الحلقات الثماني الماضية من سلسلته “حكام الجزائر: 60عاما من الجحود والغدر والمؤامرات والاعتداءات ضد المغرب”، لمجموعة من المؤامرات والمكائد التي حاكها النظام الجزائري ضد مصالح المغرب، خصص الحلقة التاسعة لتسليط الضوء على تورّط الجزائر في “الاعتداء الإرهابي على فندق أطلس أسني بمراكش”.

وذكّر البريني بالحدث الإرهابي الذي هز مدينة مراكش سنة 1994، قبل أن يشير إلى أن “أربعة متورطين أحيلوا على المحكمة، ثلاثة منهم جزائريون يحملون الجنسية الفرنسية، والمدبّران الرئيسيان تدرّبا على استعمال السلاح في تندوف بالاشتراك مع عناصر من ‘البوليساريو’، والشخص الذي أعطى الأوامر كان لاجئا سياسيا بالجزائر، وعمل في صفوف ‘البوليساريو’ بمباركة المخابرات الجزائرية”.

وأوضح الكاتب والصحافي، في الحلقة ذاتها، كيف كشفت التحقيقات الأمنية أن المخابرات الجزائرية هي التي صاغت المخطط الإرهابي المذكور ودبرته، واختارت أهدافه وجندت منفذيه… مذكّرا بالاعتراف الذي قدّمه كريم مولاي باعتباره واحدا من عملاء المخابرات الجزائرية، إذ خرج عن صمته، واعترف بالدور الذي قام به للتحضير لما جرى.

الحلقة التاسعة:

صباح يوم الأربعاء 24 غشت 1994 اهتزت مدينة مراكش، مدينة البهجة كما يسميها أهلها الطيبون، اللطفاء ذوو البديهة في إرسال النكت والمستملحات، ومقصد ملايين السواح من كل أصقاع العالم، (اهتزت) على وقع حادث خطير لم يسبق له مثيل فيها، ولا حتى في المغرب كله: إنه الاعتداء الإرهابي على فندق «أطلس أسني». فندق يوجد بأحد أهم شوارع مراكش وأجملها، يأوي كثيرا من الفنادق، ويجاور حدائق المنارة؛ كان يحمل، أثناء الحادث، اسم «شارع فرنسا». في ذلك الصباح هاجم ثلاثة مسلحين الفندق، وأطلقوا النار بكيفية عشوائية داخله؛ قتلوا سائحين إسبانيين، رجل عمره حوالي 43 عاما، وسيدة سنها 40سنة، كما تعرضت سائحة أخرى لإصابات بليغة في ساقها، فيما أصيبت موظفة مغربية بجروح خفيفة. وبعد اقترافهم الجريمة، اختطف المعتدون سيدة مغربية وسيارتها، وفروا من مكان الحادث…أفرجوا عن السيدة بعد ربع ساعة من اختطافها، ثم تركوا السيارة في أحد أزقة المدينة، حيث عثر عليها، بعد ساعات، وأبوابها مشرعة.

لم تكن مراكش هي المدينة الوحيدة المستهدفة، وإنما كان مدينة فاس هي الأخرى من ضمن أهداف الإرهابيين؛ حيث اعتقل عنصران من مجموعة ثانية من الإرهابيين، قبل نجاحهما في تنفيذ الجريمة نفسها في مدينة القرويين. وتوصلت الأبحاث التي باشرتها مصالح الأمن المغربية إلى وجود مخطط إرهابي أوسع، كان يستهدف العديد من المنشآت. ومما يدل على ذلك الكميات الهائلة من الأسلحة والذخيرة الحية التي حجزتها تلك المصالح في عدد من المدن، مثل: فاس، وأكنول، والقنيطرة، وفي المحطة الطرقية لوجدة، وفي مقبرة سيدي اعمارة بمراكش…كان المخطط جهنميا، يروم خلق وضعية متفجرة في المغرب، ويهدف إلى زعزعة الاستقرار. علاوة على ذلك لم يكن اختيار مدينتي مراكش وفاس اختيارا اعتباطيا، وإنما كان يقصد، عن سبق تخطيط وإصرار، ضرب المغرب في قلبه، في عاصمتين تاريخيتين، لهما قوة رمزية وتاريخية كبيرة، زيادة على أنهما من المدن السياحية المشهورة.

حادث فندق «أطلس أسني» الإرهابي أغرق المغرب في الذهول. لم يسبق لبلادنا أن تعرضت لعدوان إرهابي بذلك الحجم وبتلك الطريقة. حتى مصالح الأمن المغربية لم تكن تتوقع حدوث جريمة مماثلة، لذلك تفاجأت في بداية الأمر، لكنها سرعان ما تجندت وعبأت كل إمكانياتها للبحث عن الجناة واقتفاء أثرهم، وترصدهم، واعتقالهم، ومعرفة مصدر وملابسات العدوان وخيوطه. وخلصت التحريات الطويلة والمعمقة إلى أن جميع الأسلحة التي عثر عليها تم تسريبها من الخارج، وأن جميع المتورطين، سواء أولئك الذين ألقي عليهم القبض، أو أولئك الذين تمكنوا من الفرار، قدموا من الخارج ودخلوا إلى المغرب قصد تنفيذ مخطط إرهابي.

ومن بين أربعة متورطين، أحيلوا على المحكمة، ثلاثة منهم جزائريون يحملون الجنسية الفرنسية. كما أن المدبرين الرئيسيين تدربا على استعمال السلاح في تندوف بالاشتراك مع عناصر من «البوليساريو». أما الشخص الذي أعطى الأوامر لمجموعة مراكش فقالت عنه صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية آنذاك إنه ينحدر من أصل مغربي. كان لاجئا سياسيا بالجزائر، وعمل في صفوف «البوليساريو» بمباركة المخابرات الجزائرية.

كما كشفت التحقيقات أن المخابرات الجزائرية هي التي صاغت المخطط الإرهابي، وهي التي دبرته، واختارت أهدافه، وجندت منفذيه. وقتها كان الجنرال العماري هو رئيس أركان الجيش الجزائري، والمتحكم في جهاز المخابرات العسكرية، وبالتالي فإن كل خيوط المخطط الإرهابي الذي استهدف المغرب كانت بيده. صحيح أن الحكومة الجزائرية نفت ضلوعها في الجريمة، وأصدرت وزارة خارجيتها بلاغا ينفي «نفيا قاطعا» صلتها بالتطورات الأمنية في المغرب، ويعتبر «المزاعم المغربية عارية عن الصحة». لكن الحجج كانت دامغة. وأكدها، في ما بعد، خروج واحد من عملاء المخابرات الجزائرية عن صمته، واعترف بالدور الذي قام به للتحضير لما جرى. ذلك العميل يدعى كريم مولاي.

كريم مولاي هذا أدلى باعترافه وشهادته لوكالة «قدس بريس» اللندنية، وقال إن “دائرة الاستعلام والأمن DRS) الجزائرية هي التي خططت للهجوم على فندق أطلسي آسني بمراكش”؛ وللبرهنة على صدق معلوماته، قال: “أنا شخصيا من تكلف بالجانب اللوجستيكي لهذه العملية، التي لم أكن أعرف أن هدفها هو تنفيذ هجوم مسلح”. كما أكد كريم مولاي أنّ الجزائر سهّلت ولوجه للمغرب في شهر أبريل من عام 1994 “من أجل القيام بمهمّة واحدة مُحدّدة هي إعداد لوجيستيكي لعمل يروم خلق بلبلة أمنية بالمملكة المغربية”، ثم أضاف أن الذي ساعده هو أحد «الأصدقاء المغاربة»، كان يعمل ضمن سلك الأمن في مدينة الرشيدية، وكذلك مدير مركز للاتصالات السلكية واللاسلكية بمراكش.

وكشف كريم مولاي أنه كان على بعد عشرات الأمتار من فندق أطلس آسني لحظة الانفجار، واستأنف اعترافه قائلا: “أؤكد هنا أنني لم أكن على علم مسبق بعملية التفجيرات لأنني لم أكن قطّ مكلفاً بالتنفيذ؛ كانت مهمتي تقتصر على جمع المعلومات حول المكان، والترتيب اللوجستيكي، لكنني عندما سمعت دوي الانفجار أدركت أن الأمر جرى بفعل المخابرات الجزائرية التي اتصلت بي وطمأنتني ووعدتني بتأمين عودتي إلى الجزائر. وبعدها بيوم واحد غادرت مراكش متوجها إلى الناظور، ومنها إلى مدينة وجدة حيث تم اعتقالي لمدة 10 ساعات بعد اكتشاف مجموعة من الصور كانت بحوزتي، والتي التُقطت بمدينة مراكش، ومنها صور بالقرب من فندق آسني؛ تم حجزها وإرسالها للفحص. وقد تمكنت حينها من رشوة أحد عناصر الأمن المغاربة المشتغلين على النقطة الحدودية فمكنني من الفرار عبر البوابة الخلفية، ومنها سلمت نفسي للسلطات الجزائرية التي نقلتني إلى العاصمة”.

مضمون مؤيد لهذه الشهادة صدر في كتاب بعنوان: (Du MALG AU DRS : Histoire des services secrets algériens) لكاتبه لياس لعريبي (Lyes Laribi). يقول لياس لعريبي إن “كريم مولاي اتهم المصالح السرية الجزائرية بوقوفها وراء الاعتداء على فندق أطلس أسني بمراكش في شهر غشت 1994، الذي أسفر عن مقتل كثير من السياح الأوروبيين، وتبعه إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر. شرح كريم مولاي أنه هو من قام بتحديد مكان الاعتداء، دون أن يكون على علم بأن اعتداء سوف يقع في المكان نفسه؛ وقال أيضا إنه تلقى المساعدة للقيام بهذا العمل من عنصر في شرطة الرشديية، ومن مدير لمركز الاتصالات السلكية واللاسلكية، وشرح أنه لما اعتقل في وجدة لم ينج إلا بعد دفع رشوة ضخمة لرجل شرطة مغربي، قبل أن تتكفل به دائرة الاستعلام والأمن الجزائرية، وتدخله إلى الجزائر”.

لما تأكدت الحكومة المغربية من مسؤولية النظام الجزائري قررت فرض التأشيرة على الجزائريين الراغبين في الدخول إلى المغرب. أما الحكومة الجزائرية فردت على ذلك بالإسراع بإغلاق حدودها مع المملكة، وهو الإجراء الذي ظل حكام الجزائر مصرين، إلى اليوم، على عدم مراجعته.

أترك تعليقا

أحدث أقدم