من "بابا علي" إلى "جبل الجليد" .. الدراما الأمازيغية تتألق في رمضان

من 'بابا علي' إلى 'جبل الجليد' .. الدراما الأمازيغية تتألق في رمضان

يعتبر شهر رمضان المبارك في المغرب فرصة لإطلاق العديد من المسلسلات الدرامية التي تحظى بشعبية كبيرة بين المشاهدين، وتتناول قضايا اجتماعية متنوعة تشغل بال الناس. ومن المسلسلات الدرامية التي حظيت بانتشار ومشاهدات مهمة في هذا الموسم نذكر: “بابا علي” و”الصفقة” و”جبل الجليد”، التي تتطرق كل منها لقضايا اجتماعية مختلفة بطريقة فريدة مستغلة قوى القصة والسرد.

في هذا المقال، نناقش هذه المسلسلات ونحللها من وجهة نظر سوسيولوجية، ونستخلص بعض الدروس الاجتماعية المستفادة من هذه الأعمال الفنية المشوّقة؛ وذلك لفهم كيفية تمثيل الظواهر الاجتماعية من خلالها.

مسلسل “بابا علي”

يحكي مسلسل “بابا علي” عن رجل بسيط في علاقته بمحيطه العائلي والمجتمعي داخل قرية جبلية أمازيغية، وهي قصة مستوحاة من شخصية “علي بابا” الأمازيغية الأسطورية.

ويعد مسلسل “بابا علي” أحد الأعمال الدرامية الرائدة في الساحة الفنية المغربية والأمازيغية خصوصا، والذي حقق نجاحًا كبيرًا في المغرب، حيث تميز بتناوله قضايا سوسيولوجية مهمة، وخاصة فيما يتعلق بالتراث الثقافي واللغوي للمنطقة، وكذلك في العلاقات الاجتماعية والأسرية. ويسلط المسلسل الضوء على قيمة المرأة في المجتمع الأمازيغي، ويعالج مسألة الاعتدال الديني ومحاربة التطرف، كما يسلط الضوء على قيم التسامح والتعايش بين الأديان.

من خلال هذا المسلسل، يستطيع المشاهد الوصول إلى عالم ثقافي وتراثي جميل ومشوق، والتعرف على تاريخ المنطقة وقيمها وموروثاتها. ومن هنا، يمكن اعتبار “بابا علي” مثالًا جيدًا لكيفية تناول الدراما القضايا الاجتماعية والثقافية بشكل ممتع ومثير، وكذلك للتواصل الناجح مع الجمهور وتحقيق نسب مشاهدة عالية.

مسلسل “الصفقة”

وهو مسلسل ريفي يحمل عنوان “الصفقة” للكاتب والسيناريست محمد بلال والمخرج حميد زيان، هذا المسلسل الذي يتناول حكاية شاب انقلبت حياته رأس على عقب بعد انتحار والده، حيث تكشف الأحداث كيف يقود فضول هذا الشاب إلى الوصول إلى أسرار خطيرة في علاقة والده المتوفى مع والدته، ثم يكشف بالموازاة مع ذلك صفقة كان هو ضحيتها.

يتضمن المسلسل الأمازيغي “الصفقة” العديد من المواضيع الاجتماعية الراهنة التي تناقشها السوسيولوجيا، حيث يعرض قصة شاب يحاول كشف الحقيقة وراء انتحار والده، ويتناول بالتالي موضوع العنف والانتحار في المجتمع؛ ما يجعلنا نستحضر رؤية عالم الاجتماع الفرنسي دوركاهايم للانتحار كسمة من سمات المجتمع الحضري الذي يتميز بما يسميه التضامن العضوي.

كما يرصد المسلسل صراعًا عائليًا قديمًا بين عائلتين من منطقة الريف، وهذا يعكس مشكلات الفقر والتشرد في الريف والبحث عن فرص العمل في المدن الكبرى.

كما يستكشف المسلسل الموضوعات المتعلقة بالهوية الثقافية والتحديات التي تواجهها المجتمعات الأمازيغية في المجتمعات المتعددة الثقافات. كما يرصد المسلسل أيضًا التغيرات الاجتماعية والتطورات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر على حياة الناس في المجتمع.

بشكل عام، فإن مسلسل “الصفقة” يسلط الضوء على مجموعة من القضايا الاجتماعية والثقافية المعقدة التي تواجه المجتمع المغربي بشكل عام والمجتمعات الأمازيغية بشكل خاص، ويعمل على تسليط الضوء على هذه المسائل والتوعية بها.

مسلسل “جبل الجليد”

ونصل إلى المسلسل الثالث الذي كان منافسا قويا بدوره ويحمل عنوان “جبل الجليد” لمخرجه رشيد الهزمير وسيناريو محمد بنسيدي. يتناول مسلسل “جبل الجليد” باختصار حكاية موسى، الطالب الحائز على شهادة الدكتوراه والذي ظل يترصد فرصة الانتقام من الشاب الذي اغتصب شقيقته.

يعد مسلسل “جبل الجليد” عملا دراميا يحمل في طياته الكثير من القضايا الاجتماعية التي تعبر عن الواقع المعاش في المجتمع الأمازيغي والمغربي عموما، ويناقش العمل بعض الموضوعات الحساسة مثل العنف الجنسي وتحولات الهوية الثقافية والاجتماعية.

تعد شخصية موسى الطالب الجامعي المثابر الذي يسعى إلى الثأر لشقيقته من الشاب الذي اغتصبها، واحدة من الشخصيات المهمة في المسلسل، فهي تمثل مفهوم العدالة وثيمة الشرف والحق في الانتقام، ويتم التعامل مع هذا الموضوع بشكل حساس وذكي ومتزن، مما يشجع على التفكير في الحلول الأفضل للحفاظ على العدالة والاستقرار في المجتمع.

كما يناقش المسلسل موضوعات أخرى مثل الهوية الثقافية والتحولات الاجتماعية، حيث يعيش موسى بين ثلاثة عوالم مختلفة، وهي المدينة والقرية وماضي طفولته، ويتعرض لصراع داخلي بين هذه العوالم، مما يعكس التحولات التي تشهدها مكونات المجتمع المغربي في الوقت الحاضر.

ويمكن القول أيضاً إن شخصية الأم المريضة والأب المستهتر والقريبة في وضعية إعاقة تمثلان موضوعات أخرى تتعلق بالعدالة الاجتماعية ومكانة المرأة في المجتمع، إذ تعرض هذه الشخصيات لمواقف صعبة وظروف قاسية بسبب العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المجتمع.

الخلاصة..

إن هذه المسلسلات الرمضانية الأمازيغية تمثل عينة واضحة للثقافة والمجتمع المغربي والأمازيغي خصوصا، وتعكس القضايا والتحديات التي يواجهها المغاربة في حياتهم اليومية. كما أنها توفر فرصة للمشاهدين لتعلم المزيد عن المجتمع المغربي وتفاعلاته الاجتماعية.

من خلال وجهة نظر سوسيولوجية، فإن هذه المسلسلات تستخدم أدوات عديدة لعرض القضايا الاجتماعية، مثل الشخصيات والحوارات والمواقف والموضوعات. كما تتناول الكثير من القضايا الاجتماعية المهمة، مثل الفقر والعنف الأسري والتمييز الجنسي والتحرش الجنسي وغيرها. كما يمكن لهذه المسلسلات أن تساعد على تحسين الوعي الاجتماعي لدى المشاهدين وتشجيعهم على تغيير السلوكيات السلبية والسعي نحو الإيجابية.

بشكل عام، فإن هذه المسلسلات تمثل عينة مثالية لتحليل الجوانب الاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي. وعلى الرغم من أنها تركز على القضايا السلبية والمشاكل، فإنها تقدم نظرة شاملة على الحياة في المغرب والتحديات التي يواجهها المجتمع. ويمكن لهذه المسلسلات أن تساعد في التغيير الاجتماعي والتحسين في السلوكيات والتفاعلات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.

أترك تعليقا

أحدث أقدم